ليبيا.. والعالم الموازي

عفاف الفرجاني
مشاركة المقال

اليوم سأحدثكم عن ذاك الثقب الأسود، الذي اخترق حياتنا على حين غرة، ليمتص طاقاتنا وطاقة أبنائنا لساعات طويلة، حتى إننا ودون أن نشعر نجد أنفسنا أضعنا الكثير من الوقت دون انتباه، أنا مثلكم أعيش حياة إلكترونية باذخة، أخرج من الفيس إلى الإكس ومنه إلى الإنستغرام منها أكمل وقتي على التيك توك، ولا أجد نفسي في نهاية اليوم إلا ولدي كمية غضب وحزن وحنق على نفسي وعلى المجتمع، بدافع فطري وفضولي يشدني التيك توك أكثر من غيره، حيث صراعات دائمة، سياسية، واجتماعية، وفكرية، ناهيك عن ما يعرفون بصناع المحتوى، والمحتوى هنا الهابط، فيتجمَّع المتابعون وتنقسم الآراء على فرق، ومنها تشتد المعارك ويشتد الدفع وتتصاعد لغة الكراهية، المجتمع التيك توكي يعتقد أن هذه المنصة خلاقة للإبداع، ولكنه لا يعلم أنها مقبرة الإبداع، حيث التنمر في أعلى حالته، والإباحية والتصرفات المجنونة، يصل الأمر إلى إيذاء النفس أمام الكاميرا والانتحار أحيانا.

ما يحدث من فساد محتوى على منصة التيك توك في المجتمع العربي يفوق فساد المحتوى الصيني، وهي البلد المخترعة للتطبيق، بعيدا عن المخاوف التي تبديها بعض الدول التي منعت استخدام التطبيق وحظرته من ناحية أمنية فهي بعيدة عن التفكير العربي، فمثلا أفغانستان ومبررها في حظره حماية الشباب من التضليل، أستراليا أيضا حظرت تطبيق التيك توك من الأجهزة التي تصدرها الحكومة الفيدرالية، بالإضافة إلى بلجيكا التي جاءت مخاوفها بشأن الأمن السيبراني والخصوصية ومخاوفها من المعلومات المضللة، ومنها كندا والدنمارك والهند حظرت هذا التطبيق حتى من أجهزة الموظفين في قطاعات الدولة لأنه يمثل خطرا "غير مقبول" على الخصوصية والأمان، حتى أصبح الحظر جماعيا عندما فرضه البرلمان والمفوضية الأوروبية ومجلس الاتحاد الأوروبي، المؤسسات الثلاث الرئيسية للكتلة المكونة من 27 عضوا، حظرت تيك توك على أجهزة الموظفين، ونُصح المشرعون والموظفون أيضًا بإزالة التطبيق من أجهزتهم الشخصية، كل هذه الدول كان همها الأول سرقة البيانات واستعمالها من قبل الصين ضدهم رغم أن شركة التكنولوجيا الصينية "بايت دانس"، أجزمت أنها لا تشارك البيانات مع الحكومة الصينية.

أما نحن كدول مسلوبة الإرادة فلم يكن يوما أمننا القومي ذا أهمية حتى أصبح يوازيه الأمن الاجتماعي، ما جرني إلى هذا الحديث فوضى انتشار هذا التطبيق داخل ليبيا، حيث المحتوى الإباحي، والتنمر، ومحتوى العنف، ليبيا التي تذهب أموالها لشراء الأسلحة وتعمل أموالها على إنقاذ اقتصاد دول أخرى لا تستطيع إيقاف هذا التطبيق!! نحن أمام قنبلة خطيرة انفجارها يطال الكل وانشطار جزيئاتها سيكلف الجميع تشوها فكريا وأخلاقيا سيعم الجميع.

أدعو بعض السياسيين والمفكرين والنشطاء من الآباء والأمهات أن يتابعوا المحتوى الليبي في هذه المنصة ويقرروا، ولن أخاطب هنا القائمين على صنع القرار لأنهم هم المجرمون، هم من يزرعون هذه الفوضى وتكييفها لإلهاء المجتمع عن قضاياه الجوهرية، المجتمع الليبي ينهار ونحن نتفرج، فعندك العاصمة طرابلس مثلا تعج بصناع المحتوى اللاأخلاقي من شباب متحولين يمارسون على الهواء مباشرة، إلى تعاطي المخدرات، والتنمر وإيذاء النفس والغير… الخ، كله أمام الجهات الأمنية التي تدعي محاربة الفساد وعلى رأسها ما يسمى قوة الردع، هذه المليشيا مكانها داخل مطار معيتيقة صناع المحتوى الهابط يدخلون ويخرجون من المطار أمام أعينهم، بل بالعكس أحيانا يتم تأمين خروجهم.

ليبيا لم تسقط أمنيا ولا اقتصاديا ولا سياسيا فقط، ليبيا سقطت فيها أيضا القيم الأخلاقية حتى أصبحت أخبار الدعارة والمخدرات والجريمة المنظمة جزءا من أخبار اليوم، حالها حال أخبار رئيسها الذي يعيش في عالم موازٍ لنا.