الأمم المتحدة نحو مصير العُصبة

فايز العريبي
مشاركة المقال

عندما اطلق أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة البائس صرخة الانهيار في غزة ، أنما في الحقيقة كان يطلق صرخة انهيار الأمم المتحدة بعد ان أفقدها الثلاثي الإمبريالي في مجلس الأمن الدولي الدور العملي الذي يحفظ ماء وجه المنتظم الأممي، فبات الأمين العام ومنظمته في عزلة وعجز يشبه الشلل والكساح مجتمعين.

لقد وضع الأمين العام للأمم المتحدة إصبعه على الجرح المؤلم المزمن الذي أثخن كيان الأمم المحتدة بسلسلة من الانتكاسات، التي أظهرتها  كمؤسسة هامشية .

 بسطوة الثلاثي الامبريالي الولايات المتحدة الأمريكية  وبريطانيا وفرنسا كخادم وظيفي اعزل من اي سلطة اخلاقية  يمكنها التعامل مع القضايا الإنسانية بمعزل عن مجلس الأمن الدولي، وهو ما طرح سوالا  عن من التابع ومن المتبوع؟

أيهما امتداد للآخر هيئة الأمم المتحدة وجمعيتها أم مجلس الأمن الدولي الذي اختزل  ليس في هيئة الأمم المتحدة و أمانتها بل اختزل أيضا مجلس الأمن في الثلاثي الغربي الامبريالي؟ .

أن الحديث عن مسألة الانحدار في المهمة والدور للأمم المتحدة اصبح محور نقاش وجدل كبير حول الجدوى  والفاعلية في اضطلاعها بالمهام الانسانية

في معالجة بؤر التوتر العالمي وقدرتها على إنفاذ قرارتها  عمليًا التي يضرب بها عرض الحائط .

لقد شهد العالم سقوط عصبة الأمم الذي يعود الى تنفيذها لأجندات ومصالح ورؤى الدول المهيمنة على حساب السلام العالمي، فمولد عصبة الأمم يشبه الظروف التي ولدت فيها الأمم المتحدة وبسبب ذات النتائج في الحربين الأولى والثانية ، التي فرضت على العالم ودفع ثمنها شعوبا ودول لا ناقة لهم فيها ولا جمال .

أما الظروف والمعطيات الحالية التي تمر بها الأمم المتحدة تشبه تماما ذات الظروف والمعطيات التي  صاحبت انهيار عصبة الأمم ، لسبب جوهري وحيد وهي ان عصبة الأمم والأمم المتحدة نتاجات صراع القوى الكبرى  و حروبها ، ولم تأتي

كنتاج لظروف ومعطيات طبيعية جاءت بخيار الإنسانية  في أدركها الأخلاقي لحاجة العالم لمن ينظم علاقاته السياسية والقانونية ببعضه .

طبيعة في ظروف  النشأة في حد ذاته لعصبة الأمم والأمم المتحدة فحملت ذات العوامل في النشأة وأسباب الانهيار، بمجرد ان حانت اللحظة العالمية المناسبة التي  تهدم بنيانها

صرخة الانهيار في غزة يعني في بعدها العميق هو صرخة انهيار المنظومة العالمية

بسبب المظالم المزمنة و السائدة ، وتراكم حالة الغبن التي مورست على الشعوب الصغيرة بغطاء الأمم المتحدة  مما شكل ارهاصات تقويضها  حيث برزت علامات العجز الذي ليس فقط في معالجة القضايا الانسانية ، بل العجز في حقيقته

يكمن في اصل البناءات القانونية في تأسيس الأمم المتحدة التي جعلت من جمعية الأمم المحتدة مجرد  ملتقى لمهرجان خطابي سنوي دون ان تملك سلطة التشريع الملزم ، بينما منح مجلس الأمن الدولي صلاحيات تنفيذية موازية ان لم تكن تعدت

هيئة الأمم المتحدة فتحول الثلاثي الإمبريالي في مجلس الأمن الدولي إلى سلطة  قهرية تمتهن صناعة الحروب والعدوان ، متجاوزاً بذلك آليات كثيرة تتخذها الأمم المتحدة قبل الوصول إلى قرارات إعلان الحرب.

لقد أراد مؤسسي عصبة الأمم كما الأمم المتحدة أن تكون هذه المنظمات خادمة لاستراتيجيات القوى الكبرى ، عندما كيفتها كنتاج  لحروبها العبثية التي دمرت الإنسانية في الحربين الأولى والثانية .

أن أبرز مأساة صنعتها الأمم المتحدة عندما شرعنة أحقية الكيان الصهيوني في الوجود وأضفت عليه الصبغة الشرعية، بل تبنت وعد بلفور البريطاني لتكرس احتلال فلسطين عندما اعترفت به سنة 1949، فصنعت بذلك مأساة تاريخية  على مدى قرابة القرن من الاحتلال .

تعزز الاحتلال  الصهيوني لفلسطين برعاية الثلاثي الامبريالي في مجلس الأمن الدولي ، فأصبح الڤيتو الغربي  وتحديدًا الأمريكي طوق نجاة وحماية للجرائم والمذابح  التي يقترفها الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني.

والسؤال الجوهري كيف لعضو دائم في مجلس الأمن الدولي أن تتبنى  سياساته ومواقفه وافعاله حماية كيان نشأ نشأة قيصرية ، كيان يضرب

بعرض الحائط القانون الدولي، كيف حدث ويحدث  ذلك فليس من الجائز أن يوظف هذا العضو الدائم مقعده في مجلس الأمن الدولي حماية كيان محتل متمرد على القانون الدولي.

أن التداعيات التاريخية والعوار القانوني والممارسات وضعت الأمم المتحدة أمام لحظة  الانهيار بعد ان انهار اساسها الإنساني الأخلاقي وعجزها التام عن تحقيق حقوق الشعوب المضطهدة كنتيجة لممارسات الثلاثية الاستعمارية التي تتخذ من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المحتدة غطاء لتصفية حساباتها مع خصومها السياسيين والأيديولوجيين الذين استعصى على الثلاثي الامبريالي تطويعها وإلحاقها بالتبعية لها.

إن من أبرز ما اقدمت عليه الأمم المتحدة من كارثة ،ضمن مئات الكوارث إنها طوعت قرارات  العدوان على الجماهيرية العظمى سنة 2011  لأجندة تصفية حسابات الثلاثية الإمبريالية في مجلس الأمن الدولي  مع القيادة التاريخية الممثلة في القائد الشهيد معمر القذافي الذي اغتالته قرارات الأمم المتحدة الظالمة ، والتي تأسست قراراتها تأسيسا معيبا وفقا  لتلفيقات وأكاذيب وحملات سياسية وإعلامية كان في مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وبريطانيا الثلاثي الامبريالي الاستعماري اصحاب التاريخ الاستعماري البغيض الدموي ، في سابقة غير طبيعية شرعنة  و أحلت العدوان على ليبيا بحجة حماية المدنيين من خلال صورة مركبة بالأكاذيب المصنوعة في دوائر مخابرات الثلاثي الإمبريالي التي احاكت تفاصيل ومراحل المؤامرة بالعدوان، كما ان  من أبرز الانتهاكات القانونية عندما سمح ما يسمى بمجلس حقوق الإنسان  التابع للأمم المتحدة سمح  بالإتيان بشخص لا يحمل اي صفة وحيثية قانونية  ليقفز في معقد الجماهيرية العظمى  بعد أن طرد مندوبها ، المدعو سليمان ابوشويقير الذي  قدم تقرير مزيف خالي من الحقائق  حول أعداد القتلى والاغتصاب والمرتزقة التي في جلها اكاذيب وحرب نفسية  هدفها النيل من معنويات الليبيين  والإساءة البالغة لمؤسسات الدولة التي تلاها المقبور ابوشيقير احد الزمر الهاربة خارج ليبيا منذ زمن طويل ضمن  معارضة CIA  .

 

لقد دعمت الأمم المتحدة بصورة مباشرة  تدمير ليبيا والنيل من وحدتها الوطنية وعرضت بنيتها للعدوان، لكن  الطعنة التي تلقتها  للأمم المتحدة أتت  في تقرير مجلس العموم البريطاني الذي جاء في إطار  تصفية الحسابات بين المتصارعين على السلطة في بريطانيا ، وليس بهدف رد الاعتبار لليبيا من العدوان  و ملخصة يقول أن حكومة ديفيد كاميرون أسست قرارها المتحمس للحرب  على ليبيا والقذافي على جملة من الأكاذيب والمعلومات المغلوطة ولم تكلف  حكومة كاميرون أن من  المعلومات استهداف المدنيين الذين وصفوا بأنهم  في خطر، اضف لذلك ما قاله اوباما عند وصف التدخل العسكري في ليبيا بالخطأ الاستراتيجي وتصريحات ساركوزي عندما قال لا توجد

ثورة في ليبيا بل نحن من قمنا بالثورة فرنسا والمخابرات الفرنسية ، وما قاله رئيس الوزراء برلسكوني الذي انخرط كذلك في العدوان على ليبيا ضاربا بعرض الحائط اتفاقية الصداقة الليبية التي تنص على عدم العدوان بين البلدين ، حيث قال برلسكوني، إن ما حدث في ليبيا لم يكن ربيعا عربيا او ثورة شعب، فالقذافي كان محبوبا من  قبل مواطنيه وشعبه، أما الذي حدث هو تدخلًا ارادته فرنسا.

وأضاف برلسكوني ، عند زيارة ساركوزي لليبيا رأى صور توقيع اتفاقية الصداقة فقال ساركوزي لاتباعه ان إيطاليا  سلبتنا الغاز والنفط الليبي  .

كل هذه التصريحات توضح أنه كيف كانت الامم المتحدة مجرد مؤسسة ممعنة في التبعية المطلقة، ولم تريد أن تتوخى الحقائق على الأرض بأن  تكلف نفسها إرسال بعثات تقصي حقائق  وهي  إجراءات أولية قانونية كان عليها ان تتخذها قبل أن تذهب مباشرة إلى إقرار العدوان العسكري .

لقد اعتمدت الأمم المتحدة  في تنفيذ قرارات العدوان على حلف عسكري إقليمي أوروبي أمريكي وهو ليس حلف عالمي أو قوات أممية تابعة للأمم، تكلف بفض النزاعات ، بل اعتمدت على حلف  شمال الأطلسي الناتو الذي عماد قوته الثلاثي الامبريالي في مجلس الأمن الدولي  مما شكل انحراف خطير وارتكاب جرائم حرب ، والتساؤل   هي الصلة القانونية بين الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي " الناتو " .

إن من ابرز مظاهر الخلل ليس فقط  القانوني بل خلل موضوعي ومنطقي وهي أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تجتمع فيها كل الدول الأعضاء هي قرارات غير ملزمة التطبيق بينما مجلس الأمن الدولي يملك انفاذ قرارته على اي دولة من دول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

أن الإسهاب في تناول دور الأمم المتحدة التاريخي أغنته بحوث ودراسات متوازنة بينت طبيعة الخلل في منظومة تركيباتها وفي بعض نصوصها القانونية  المتعلقة بالسلم والأمن الدولي سرديتها تطول ولا تنتهي  في هذه القراءة الانطباعية ، بل هو تناول أحداثًا بعينها لنسلط عليها

 الضوء عن جملة من التجاوزات الانحرافات والتوظيفات السياسية والغير قانونية ، عبر تعويم ضبط النصوص القانونية والمصطلحات السياسية إتاحة فرصة التلاعب في تطبيق القرارات وتأويلاتها المفتوحة للتفسيرات الغرضية المتربصة كما حدث في قرارات 1970 و 1973 ضد الجماهيرية العظمى عندما نفذ الثلاثي الامبريالي في مجلس الأمن الدولي إلى النص عبر احدى فقرات القرارات و فسروها لتبرير شن العدوان على ليبيا .

أن من أكبر الجرائم التي سكتت عنها الأمم المتحدة هي قيام الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا  بالعدوان على العراق دون  الالتفات لرفض مجلس الأمن الدولي في حادثة تكاد تكون فريدة تمثلت في رفض الأغلبية منح تفويض قرار الحرب على العراق ،بل ذهبت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا إلى انتهاك إرادة مجلس مما شكل   ضربة قوية للأمم المتحدة راكمت المظالم و الغبن الذي يسود العلاقات الدولية وتجميد القانون الدولي ، فاتضح عجز الامم المتحدة عن محاسبة أمريكا  وبريطانيا عن جريمة العدوان على العراق .

 

ثم لنخلص الى الوضع الراهن والقائم وهو ما يحدث من عدوان ومجازر واجتثاث لسكان غزة، وبالنظر الى ما يحدث وبأرقام الضحايا المهول والصادم  الذي وصل إلى حوالي 30000، إذا أخذنا في الاعتبار أولئك الضحايا الذين يعدون بآلاف تحت الأنقاض ، هذه الإحصائية البشعة  فيها عدد 6000 طفل فلسطيني في  جرائم  مروعة و بشعة هزمت الضمير الإنساني   وتجردت من الإنسانية، علاوة على ذلك العدد الغير مسبوق من القتلى العاملين والموظفين في مؤسسات الأمم المتحدة والتي ميدان عملها غزة فقتل 102موظف وعامل  في سابقة  هي الأعلى في تاريخ اي حرب، اضافة إلى استهداف مقرات الامم المتحدة  في غزة ، في تمادي صهيوني احرج الأمم المتحدة بل ووضعها أمام النهاية المحتومة كنهاية عصبة الأمم .

 

إن التحركات الدولية الحالية والتي تأخذ مسارا متسارعا نحو بلورة نظام عالمي جديد على انقاض الوضع الدولي الراهن ، هذه التحركات وراءها قوى عالمية و اقليمية، التي رأت  في  الوضع الدولي يوشك على الانهيار إن لم يكن الانهيار كليًا ، هذه القوى  لها قراءتها وقناعتها وتخطيطها  وفعلها الاستراتيجي لتجاوز واقع العبث  الأحادي ، كما من المؤكد أن التوجهات الجديدة سوف تتجاوز  الأمم المتحدة إلى مكون عالمي جديد أو على الأقل إصلاح جوهري عميق يأخذ في الاعتبار تجريد القوى التي

استحكمت بصورة همجية في قياد العالم وفقا لمشاريعها العدوانية، وإن هذه القوى الناهضة ستضع حدا لاستهتار  الثلاثي الامبريالي وتحجيم سطوته ومحاصرته عبر تشكل العديد من الفضاءات  التي ستشكل منظومة اممية جديدة على انقاض الامم المتحدة .

إن التحولات المفصلية تؤشر على أن العالم مقبل على التغيير سوء سلمًا أو حربا ، فلم يعد العالم في حاجة إلى  منظمة تحكمها قوى مريضة مغلولة بالشر والعدوان والاضطهاد ، تسعى لخراب العالم وهدم كل امكانياته أممه وشعوبه الاقتصادية والاجتماعية الأخلاقية والثقافية على حساب تنوع الحضارة الانسانية وتفاعلها الإيجابي المنتج للاستقرار والأمن والسلم العالمي.